فصل: ثم دخلت سنة تسع وخمسين وأربعمائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ أبي الفداء **


  ثم دخلت سنة إحدى وخمسين وأربعمائة

وفاة فرخزاد صاحب غزنة في هذه السنة وقيـل فـي سنـة تسـع وأربعيـن توفـي الملـك فرخـزاد بـن مسعـود بـن محمـود بـن سبكتكيـن صاحب غزنة بالقولنج وملك بعده أخوه إبراهيم بن مسعود فأحسن السيرة وغزا الهند وفتح حصوناً‏.‏

وكان ديناً ولما استقر في ملك غزنة صالح داود بن ميكائيل بن سلجوق صاحب خراسان‏.‏

وفاة داود وملك ابنه ألب أرسلان في هذه السنة في رجب توفي داود بن ميكائيل بن سلجوق أخو طغريل بك وعمره سبعون سنة صاحب خراسان وهو مقاتل آل سبكتكين ولما توفي داود ملك خراسان بعده ابنه ألب أرسلان وكان لداود من البنين ألب أرسلان وياقوتي وقاروت بك وسليمان فتزوج طغريل بك بأم سليمان امرأة أخيه‏.‏

غير ذلك من الحوادث فيها قدم طغريل بك إلى بغداد وأعاد الخليفة وقتل البساسيري حسبما ذكرنا‏.‏

وفيها توفي علـي بن محمود بن إبراهيم الزوزني وهو الذي ينسب إليه رباط الزوزني المقابل لجامع المنصور ببغداد‏.‏

  ثم دخلت سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة

فيها ملك محمود بن شبل الدولة نصر بن صالح بن مـرداس حلـب علـى ما تقدم ذكره في سنة اثنتين وأربعمائة‏.‏

وفيها سار طغريل بك من بغداد إلـى بلـاد الجبـل فـي ربيـع الـأول وجعـل الأميـر برسـق شحنـة ببغـداد‏.‏

وفيهـا توفيـت والـدة القائـم وهي جارية أرمنية قيل اسمها قطر الندى‏.‏

  ثم دخلت سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة

  وفاة المعز صاحب إفريقية

وفي هذه السنة توفي المعز بن باديس بضعف الكبد وكانت مدة ملكه سبعاً وأربعين سنة وكـان عمـره لمـا ملـك قيـل إحدى عشرة سنة وقيل ثمان سنين وملك بعده ابنه تميم بن المعز ولما مات المعز طمعت أصحاب البلاد بسبب العرب وتغلبهم على بلاد إفريقية كما قدمنا ذكره‏.‏

وفاة قريش صاحب الموصل وفيها توفي قريش بن بدران بن المقلد بن المسيب صاحب الموصل ونصيبين وكانت وفاته بنصيبين بخروج دم من حلقه وأنفه وأذنيه وقام بالأمر بعده ابنه شرف الدولة أبو المكارم مسلم بن قريش‏.‏

وفاة نصر الدولة بن مروان وفـي هـذه السنـة توفـي نصـر الدولة أبو نصر أحمد بن مروان الكردي صاحب ديار بكر - وكان عمـره نيفـاً وثمانيـن سنـة وإمارتـه اثنتيـن وخمسيـن سنـة لـأن تملكـه كـان فـي سنة اثنتين وأربعمائة كما قدمنا ذكره في سنة ثمانين وثلاثمائة واستولى أبو نصر على أموره وبلاده استيلاء تاماً وتنعم تنعماً لم يسمع بمثله وملك من الجواري المغنيات ما اشترى بعضهن بخمسة آلاف دينار وأكثر وملـك خمسمائة سرية سوى توابعهن وخمسمائة خادم وكان في مجلسه من الآلات ما تزيد قيمته علـى مائتـي ألـف دينار وأرسل طباخين إلى مصر حتى تعلموا الطبخ هناك وقدموا عليه وغرم على ذلك جملة ووزر له أبو القاسم المغربي وفخر الدولة بن جهير ووفد إليه الشعراء وأقام عنده العلماء ولما مات نصر الدولة المذكور خلف ابنين نصراً وسعيداً ابني المذكور فاستقر في الأمر بعده ابنه نصر بن أحمد بميافارقين وملك أخوه سعيد بن أحمد آمد‏.‏

وفاة أمير مكة في هذه السنة توفي شكر العلوي الحسيني أمير مكة وله شعر حسن فمنه‏:‏ قوض خيامك عن أرض تضام بها وجانب الذل إن الـذل مجتنـب وارحل إذا كان في الأوطان منقصة فالمندل الرطب في أوطانه حطب

  ثم دخلت سنة أربع وخمسين وأربعمائة

فيها تزوج طغريل بك ببنت الخليفة القائم وكان العقد في شعبان بظاهر تبريز وكان الوكيل في تزويجها من جهة القائم عميد الملك وفيها استوزر القائـم فخـر الدولـة أبـا نصـر بـن جهيـر بعـد مسيـره عـن ابـن مـروان‏.‏

وفيهـا توفـي القاضـي أبو عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر القضاعي الفقيه الشافعي صاحب كتـاب لشهـاب وكتـاب الأنبـاء عن الأنبياء وتواريخ الخلفاء وكتاب خطط مصر‏.‏

تولى قضاء مصر من جهة الخلفاء العلويين مصريين وتوجه منهم رسولا إلى جهة الروم والقضاعي منسوب إلى قضاعة وهو من حمير وينسـب إلـى قضاعـة قبائـل كثيـر منهـا‏:‏ كلـب وبلـى وجهينـة وعـدوة وغيرهم وقيل‏:‏ قضاعة بن معد بن عدنان‏.‏

  ثم دخلت سنة خمس وخمسين وأربعمائة

أخبار اليمن مـن تاريـخ اليمـن عمـارة قـال‏:‏ وفي هذه السنة أعني سنة خمس وخمسين وأربعمائة تكامل جميع اليمن لعلي بن القاضي محمد بن علي الصليحي وكان القاضي محمد والـد علـي الصليحـي المذكور سني المذهب وله الطاعة في رجال حراز وهم أربعون ألفاً ببلاد اليمن فتعلم ابنه علي المذكور مذهب الشيعة وأخذ أسرار الدعوة عن عامر بن عبد الله الرواحي وكان عامر المذكور من أهل اليمن وهو أكبر دعاة المستنصر الفاطمي خليفة مصر فصحبه علي بن محمد الصليحي وتعلم منه أسرار الدعوة فلما دنت من عامر الوفاة أسند أمـر الدعـوة إلـى علـي المذكور فقام بأمر الدعوة أتم قيام وصار علي بن محمد الصليحي المذكور دليلا لحجاج اليمن يحـج بهـم علـى طريـق الطائف وبلاد السرو وبقي على ذلك عدة سنين وفي سنة تسع وعشرين وأربعمائة ترك دلالة الحجاج وثار بستين رجلا وصعد إلى رأس مشاف وهو أعلى ذروة من جبـال حـراز ولـم يـزل يستفحـل أمـره شيئًـا فشيئـاً حتـى ملـك جميـع اليمـن فـي هذه السنة أعني سنة خمس وخمسين وأربعمائة‏.‏

ولما تكامل لعلي الصليحي ملك اليمن ولى على زبيد أسعد بن شهاب بن علي الصليحي وأسعد المذكور هو أخو زوجته أسماء بنت شهاب وابن عم علي المذكور‏.‏

وبقي علي الصليحي مالكاً لجميع اليمن حتى حج فقصده بنو نجاح وقتلوه بغتـة بالهجم علب بضيعـة يقـال لهـا أم الدهيـم وبيـرام معبـد فـي ذي القعـدة سنـة ثلـاث وسبعيـن وأربعمائـة فلمـا قتل الصليحي المذكور استقرت التهائم لبني نجاح واستقر بصنعاء ابن الصليحي المذكور وهو أحمد بن علي بن القاضي محمد الصليحي وكـان يلقـب أحمـد المذكـور بالملـك المكرم ثم جمع المكرم المذكور العرب وقصد سعيد بن نجاح بزبيد وجرى بينهما قتال شديد فانهزم سعيد بن نجاح إلى جهة دهلك وملك أحمد المذكور زبيد في سنة خمس وسبعين وأربعمائـة ثـم عـاد ابن نجاح وملك زبيد في سنة تسع وسبعين وأربعمائة ثم عاد أحمد المكرم وقتل سعيد في سنة إحدى وثمانين وأربعمائة‏.‏

ثـم ملـك جيـاش أخـو سعيـد وبقـي أحمـد المكـرم علـى ملـك صنعـاء حتـى مـات المكـرم في سنة أربع

وثمانيـن وأربعمائـة ولمـا مـات أحمـد المكـرم بـن علي بن القاضي محمد بن علي الصليحي تولى بعده ابن عمـه أبـو حميـر سبـأ بـن أحمـد بـن المظفـر ابـن علـي الصليحـي فـي السنـة المذكـورة أعنـي سنـة أربـع وثمانيـن وأربعمائـة وبقـي سبـاً متوليـاً حتـى توفـي فـي سنـة خمـس وتسعيـن وأربعمائـة وهـو آخر الملوك الصليحيين‏.‏

ثـم بعـد مـوت سبـأ أرسـل مـن مصـر علـي بـن إبراهيـم بن نجيب الدولة فوصل إلى جبال اليمن في سنة ثلاث عشرة وخمسمائة وقام بأمر الدعوة والمملكة التي كانت بيد سبأ وبقي ابن نجيب الدولـة حتـى أرسـل الآمر الفاطمي خليفة مصر وقبض على ابن نجيب الدولة المذكور بعد سنة عشريـن وخمسمائة وانتقل الملك والدعوة إلى آل الزريع بن العباس بن المكرم‏.‏

وآل الزريع هم أهل عدن وهم من همذان بن جشم وهؤلاء بنو للمكرم يعرفون بآل الذيب وكانت عدن لزريع بن العباس بن المكرم ولعمه مسعود بن المكرم فقتلا على زبيد مع الملك المفضل فولى بعدهما ولداهما وهما أبو السعود بن زريع وأبو الغارات ابن مسعود وبقيا حتى ماتا وولى بعدهما محمد بن أبي الغارات ثم ولى بعده ابنه على بن محمد بن أبي الغارات‏.‏

ثـم استولـى علـى الملـك والدعوة سبأ بن أبي السعود بن زريع وبقي حتى توفي في سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة ثم تولى ولده الأعز علي بن سبأ وكان مقام علي بالدملوة فمات بالسل وملـك بعـده أخـره المعظـم محمـد بن سبأ ثم ملك بعده ابنه عمران بن محمد بن سبأ وكانت وفاة محمـد بـن سبـأ فـي سنـه ثمـان وأربعيـن وخمسمائـة ووفـاة عمـران بـن محمـد بن سبأ في شعبان سنة ستيـن وخمسمائـة وخلـف عمـران ولديـن طفليـن همـا محمـد وأبـو السعـود ابنـا عمـران‏.‏

وممن ولي الأمر مـن الصليحيين زوجة أحمد المكرم وهي الملكة ولقبها الحرة واسمها سيدة بنت أحمد بن جعفر بن موسى الصليحي ولدت سنة أربعين وأربعمائة وربتها أسماء بنت شهاب وتزوجها ابن أسماء أحمـد المكـرم بـن علـي الصليحـي سنـة إحـدى وستيـن وأربعمائـة وطالـت مـدة الحـرة المذكورة وولاها زوجها أحمد المكرم الأمر في حياته فقامت بتدبير المملكة والحروب واشتغل زوجها بالأكل والشرب ولما مات زوجها وتولى ابن عمه سبأ استمرت هي في الملك ومات سبـأ وتولى ابن نجيب الدولة في أيامها واستمرت بعده حتى توفيت الحرة المذكورة‏.‏

في سنة اثنتيـن وثلاثيـن وخمسمائـة وممـن كـان لـه شركـة فـي الملـك‏:‏ الملـك المفضـل أبـو البركـات بـن الوليـد الحميـري صاحب تعز وكان المفضل المذكور يحكم بين يدي الملكة الحرة وكان يحتجب حتى لا يرجى لقـاؤه ثـم يظهـر ويدبـر الملـك حتى يصل إليه القوي والضعيف وبقي المفضل كذلك حتى توفي في شهر رمضان سنة أربع وخمسمائة وملك معامل المفضل وبلاده بعده ولده منصـور ويقـال لـه الملك المنصور بن المفضل واستمر المنصور بن المفضل في ملك أبيه من تاريخ وفاته إلى سنة سبـع وأربعيـن وخمسمائـة فابتـاع محمـد بـن سبأ بن أبي السعود منه المعامل التي كانت للصليحيين بمائة ألف دينار وعدتها ثمانية وعشرون حصناً وبلداً وأبقى المنصور بن المفضل لنفسه تعز وبقي المنصور فـي ملكهـا حتـى توفـي بعـد أن ملـك نحـو ثمانيـن سنـة‏.‏

وسنذكـر بقيـة أخبـار اليمـن فـي سنة أربع وخمسين وخمسمائة إن شاء الله تعالى‏.‏

دخول طغريل بك بابنة الخليفة وفـي هذه السنة أعني سنة خمس وخمسين وأربعمائة قدم طغريل بك إلى بغداد ودخل بابنة الخليفة وحصل من عسكره الأذية لأهل بغداد لإخراجهم من دورهم وفسقهم بنسائهم أخذاً باليد‏.‏

وفاة طغريل بك فـي هـذه السنـة بعـد دخـول طغريـل بـك بابنـة الخليفـة سـار مـن بغـداد فـي ربيع الأول إلى بلد الجبل فوصـل إلـى الـري فمـرض وتوفـي يـوم الجمعـة ثامـن شهـر رمضـان مـن هذه السنة وعمره سبعون سنة تقريباً وكان طغريل بك عقيماً لم يرزق ولداً واستقرت السلطنة بعده لابن أخيه ألب أرسلان بن داود بن ميكائيل بن سلجوق‏.‏

غير ذلك فيها دخل الصليحي صاحب اليمن إلى مكة مالكاً لها فأحسن السيرة وجلب إليها الأقوات وفيهـا كـان بالشام زلزلة عظيمة خرب بها كثير من البلاد وانهدم بها سور طرابلس‏.‏

وفيها ولي أميـر الجيـوش بـدر مدينة دمشق للمستنصر العلوي خليفة مصر ثم ثار به الجند ففارقها‏.‏

وفيها توفي سعيد بن نصر الدولة أحمد بن مروان صاحب آمد من ديار بكر‏.‏

  ثم دخلت سنة ست وخسمين وأربعمائة

القبض على الوزير عميد الملك وقتله فـي هـذه السنـة قبـض السلطـان ألـب أرسلان على الوزير عميد الملك أبي نصر منصور بن محمد الكندري وزير عمه طغريل بك بسبب سعي نظام الملك وزير ألب أرسلان به فقبض ألب أرسلـان على عميد الملك وحبسه في مروروز فلما مضى على عميد الملك في الحبس سنة أرسل ألب أرسلان إليه غلامين ليقتلا فدخل عميد الملك ورع أهله وصلى ركعتين وخرق خرقه من طرف كمه وعصب عينيه بها فقتلاه بالسيف وقطع رأسه وحملت جثته إلى كندر فدفـن عنـد أبيـه وكـان عمـره نيفـاً وأربعيـن سنـة وكان عميد الملك خصياً‏.‏

لأن طغريل بك أرسله ليخطـب لـه امـرأة فتزوجها عميد الملك فخصاه طغريل بك لذلك وكان عميد الملك كثير الوقيعة فـي الشافعـي حتـى خاطـب طغريـل بـك فـي لعـن الرافضـة على منابر خراسان فأمر له بذلك فأمر بلعنهم وأضاف إليهم الأشعرية فأنف من ذلك أئمة خراسان منهم أبو القاسم القشيري وأبو المعالـي الجويني وأقام بمكة أربع سنين ولهذا لقب إمام الحرمين ومن العجب أن ذكر عبد الملك ومخاصيه دفن بخـوارم لمـا خصـي ودمـه سفـح بمـرو وجسـده دفـن بكنـدر ورأسـه مـا عـدا قحفه دفن بنيسابور ونقل قحفه إلى كرمان لأن نظام الملك كان هناك‏.‏

غير ذلك فـي هـذه السنـة ملـك ألـب أرسلـان قلعـة ختلان ثم سار إلى هراة فحاصر عمه بيغو بن ميكائيل بـن سلجوق بها وملكها وأخرج عمه ثم أحسن إليه وأكرمه ثم سار إلى صغائيان فملكها أيضاً بالسيـف وكـان اسـم صاحبهـا موسى فأخذ أسيراً وفي هذه السنة أمر ألب أرسلان بعود بنت الخليفـة القائـم إلـى بغـداد وكانت قد سارت إلى طغريل بك إلى الري بغير رضى الخليفة‏.‏

وفيه هذه السنة عصى قطلومش بن أرسلان بن سلجوق على ألب أرسلان فأرسل إليه ونهاه عن ذلك وعرفه أنه يرعى له القرابة والرحم فلم يلتفت قطلومش إلى ذلك فسار إليه ألب أرسلان إلى قرب الري والتقى العسكران واقتتلوا فانهزم عسكر قطلومش وهرب إلى جهة قلعة كردكوه فلما انقضى القتال وجد قطلومش ميتاً قيل إنه مات من الخوف فعظم موته على ألب أرسلان وبكى عليه وقعد للعزاء وعظم عليه فقده فسلاه نظام الملك ودخل ألب أرسلان مدينة الري فـي آخـر المحـرم مـن هـذه السنة وهذا قطلومش السلجوقي هو جد الملوك أصحاب قونية وأقصرا وملطيـة إلـى أن استولـى التتر على مملكتهم على ما سنذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

وكان قطلومش مع أنه رجل تركي عارفاً بعلم النجوم وقد أتقنه‏.‏

وفـي هـذه السنـة شاع ببغداد والعراق وخوزستان وكثير من البلاد أن جماعة من الأكراد خرجوا يتصيـدون فـرأوا فـي البريـة خيمـاً سوداء وسمعوا منها لطماً شديداً وعويلا كثيراً وقائلا يقول‏:‏ قد مات سيدوك ملك الجن وأي بلد لم يلطم أهله قلع أصله فصـدق ذلـك ضعفـاء العقـول مـن الرجال والنساء حتى خرجوا إلى المقابر يلطمن وخرج رجال من سفلة الناس يفعلون ذلك قال ابـن الأثيـر‏:‏ ولقـد جـرى ونحـن فـي الموصـل وغيرهـا مـن تلـك البلـاد فـي سنـة ستمائـة مثـل هـذا وهو أن النـاس أصابهـم وجـع كثيـر فـي حلوقهـم فشاع أن امرأة من الجن يقال لها أم عنقود مات ابنها عنقود وكل من لا يعمل مأتماً أصابه هذا المرض فكان النساء وأوباش النـاس يلطمـون علـى عنقـود ويقولون يا أم عنقود اعذرينا قد مات عنقود ما درينا‏.‏

وإنما أوردنا هذا لأن رعاع الناس إلى يومنا هذا وهو سنة سبعمائة وخمس عشرة يقولون بأم عنقـود وحديثهـا ليعلـم تاريـخ هـذا الهذيان من متى كان‏.‏

وفيها توفي أبو القاسم علي بن برهان الأسـد النحـوي المتكلـم وكـان لـه اختيـار فـي الفقـه وكـان يمشي في الأسواق مكشوف الرأس‏.‏

ولم يقبل من أحد شيئاً وكان يميل إلى مذهب مرجئة المعتزلة ويعتقد أن الكفار لا يخلدون في النار وكان قد جاوز ثمانين سنة‏.‏

  ثم دخلت سنة سبع وخمسين وأربعمائة

وفيها عبر ألب أرسلان جيحون وسار إلى جند وصبران وهما عند بخارى وقبر جده سلجوق بجند فخرج صاحب جند إلى طاعته فأقره على مكانه ووصل إلى كركنج خوارزم وسار منها إلى مرو‏.‏

وفيها ابتدأ نظام الملك بعمارة المدرسة النظامية ببغداد‏.‏

  ثم دخلت سنة ثمـان وخمسيـن وأربعمائـة

وفيها أقطع ألب أرسلان شرف الدولة مسلم بن قريش بـن بـدار بـن المقلـد بـن المسيـب صاحـب الموصل الأنبار وتكريت زيادة على الموصل‏.‏

وفيها توفي أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي الخسروجردي وكان إماماً في الحديث والفقه على مذهب الشافعي وكان زاهداً ومات بنيسابور ونقل إلى بيهق وبيهـق قـرى مجتمعـة بنواحـي نيسابور على عشرين فرسخاً منها وكان البيهقي من خسرو جرد وهي - قرية من بيهق - وكـان البيهقي أوحد زمانه رحل في طلب الحديث إلى العراق والجبال والحجاز وصنف شيئاً كثيراً وهو أول من جمع نصوص الشافعي في عشر مجلدات ومن مشهور مصنفاته السنن الكبير والسنن الصغير ودلائل النبوة وكان قانعاً من الدنيا بالقليل ومولده في شعبان سنة أربع وثمانين وثلاثمائـة‏.‏

وقـال إمـام الحرميـن في حقه‏:‏ ما من شافعي المذهب إلا وللشافعي عليه منة إلا أحمد البيهقـي فـإن لـه علـى الشافعي منة لأنه كان أكثر الناس نصر المذهب الشافعي‏.‏

وفيها توفي أبو علي محمد ابن الحسين بن الحسن بن الفراء الحنبلي وعنه انتشر مذهب أحمد بن حنبل وهو مصنف كتاب الصفات أتى فيه بكل عجيبة وترتيب أبوابه يدل على التجسيم المحض وكان ابن التميمي الحنبلي يقول‏:‏ لقد خرى أبو يعلي بن الفراء على الحنابلة خرية لا يغسلها الماء‏.‏

وفيها توفي الحافظ أبو الحسن علي بن إسماعيل المعروف بابن سيده المرسي وكان إماماً في اللغة صنف فيها المحكم وهو كتاب مشهـور ولـه غيـره عـدة مصنفـات وكـان ضريـراً وتوفـي بدانية من شرق الأندلس وعمره نحو ستين سنة‏.‏

  ثم دخلت سنة تسع وخمسين وأربعمائة

فيها في ذي القعدة فرغت عمارة المدرسة النظامية وتقـرر التدريـس بهـا للشيـخ أبـي إسحـاق الشيـرازي واجتمع الناس فتأخر أبو إسحق عن الحضور لأنه سمع شواذاً أن أرض المدرسة مغصوبة ولما تأخر ألقي الدرس بها إلى يوسف بن الصباغ صاحب كتاب الشامل مدة عشرين يوماً ثم اجتهدوا بأبي إسحاق فلم يزالوا به حتى درس فيها‏.‏

  ثم دخلت سنة ستين وأربعمائة

فيها كانت بفلسطين ومصر زلزلة شديدة حتى طلع الماء من رؤوس الآبار وهلك من الردم عالم عظيم وزال البحر عـن الساحـل مسيـرة يـوم فنـزل النـاس أرضـه يلتقطـون فرجـع المـاء عليهـم وأهلـك خلقاً كثيراً‏.‏

وفيها توفي الشيخ أبو منصور عبد الملك بن يوسف وكان من أعيان الزمان‏.‏

  ثم دخلت سنة إحدى وستين وأربعمائة

فيها احترق جامع دمشق بسبب فتنة وقعت بين المغاربة والمشارقـة فضربـت دار مجـاورة للجامـع بالنـار فاتصلـت النـار بالجامـع وعجـز النـاس عن إطفائها فأتى الحريق على الجامع فدثرت محاسنه وزال ما كان فيه من الأعمال النفيسة‏.‏

  ثم دخلت سنة اثنتين وستين وأربعمائة

في هذه السنة توفي طفغاج خان ملك ما وراء النهر واسمه أبو إسحاق إبراهيم بن نصر أيلك خان وملك بعده ابنه شمس الملك نصر بن طفغاج وبقـي شمـس الملـك حتـى توفـي ولم يقع لي تاريخ وفاته وملك بعده أخوه حصر خان بن طفغاج ثم ملك بعده ابنه أحمد وبقي أحمد المذكور حتى قتل سنة ثمان وثمانين وأربعمائة على ما سنذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

وفيها كان بمصر غلاء شديد حتى أكل النـاس بعضهـم بعضـاً وانتـزح منهـا مـن قـدر علـى الانتـزاح واحتـاج خليفة مصر المستنصر العلوي إلى إخراج الآلات وبيعها فأخرج من خزانته ثمانين ألف قطعة بلور كبار وخمساً وسبعين ألف قطعة مـن الديبـاج وأحـد عشـر ألـف كزغنـدو

  ثم دخلت سنة ثلـاث وستيـن وأربعمائة

فيها قطع محمود بن نصر بن صالح ابن مرداس صاحب حلب خطب المستنصر العلوي وخطب للقائم العباسي خليفة بغداد‏.‏

وفيها سار السلطـان ألب أرسلان إلى ديار بكر فأتى صاحبها نصر بن أحمد بن مروان إلى طاعته وخدمته ثم سـار ألـب أرسلـان حتـى نزل على حلب فبذل صاحبها محمود بن نصر بن صالح بن مرداس له الطاعـة بـدون أن يطـئ بساطـه فلـم يـرض ألـب أرسلـان بذلـك فخـرج محمـود ووالدته ليلا ودخلا على السلطان ألب أرسلان فأحسن إليهما وأقر محموداً على مكانه بحلب‏.‏

وفيها سار ملك الروم أرمانوس بالجموع العظيمة من أنـواع الـروم والـروس والجركـس وغيرهـم حتى وصل إلى ملاز كرد فسار إليه ألب أرسلان وسأل الهدنة من ملك الروم فامتنع واقتتل الجمعان فولى الروم منهزمين وقتل منهم ما لا يحصى وأخذ الملك أرمانوس أسيراً فشرط ألب أرسلان عليه شروطاً من حمـل المـال والأسـرى والهدنـة فأجـاب أرمانـوس إليهـا فأطلقـه ألـب أرسلان وحمله إلى مأمنه‏.‏

وفيها قصد يوسف بن أبق الخوارزمي وهو من أمراء ملكشاه بن ألب أرسلان الشام وفتح مدينة الرملة وبيت المقدس وأخذهما من نواب الخليفـة المستنصـر صاحـب مصـر ثـم حصـر دمشق وضيق على أهلها ولم يملكها‏.‏

وفي هذه السنة توفي أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن أحمد الغوراني الفقيه الشافعي مصنف كتاب الإبانة وغيره‏.‏

وفيها توفي أبو الوليد أحمد بن عبد الله بن أحمد بن غالب بن زيدون الأندلسي القرطبي وكان من أبناء الفقهاء بقرطبة ثم انتقل وخدم المعتضد بن عباد صاحب إشبيلية وصار عنده وزيره‏.‏

ولابن زيدون المذكور الأشعار الفائقة منها‏:‏ بيني وبينك ما لو شئت لم يضع سراً إذا ذاعت الأسرار لم يذع يا بائعاً حظه مني ولـو بذلـت لـي الحيـاة بحظـي منه لم أبع يكفيك أنك لو حملت قلبي مـا لم تستطعه قلوب الناس يستطع ته أحتمل واستطل أصبر وأعز أهن وول أقبل وقل أسمع ومـر أطـع ومن قصائده المشهورة قصيدته النونية التي منها‏:‏ تكاد حين تناجيكـم ضمائرنـا يقضي علينا الأسى لولا تأسينا وفيهـا فـي ذي الحجـة توفـي ببغداد الخطيب أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت البغدادي صاحب المصنفات الكثيرة وكان إمام الدنيا في زمانه وممن حمل جنازته الشيخ أبو إسحاق الشيرازي وصنف تاريخ بغداد الذي ينبئ عن إطلاع عظيم وكان من المتجرين وكان فقيهاً فغلب عليه الحديـث والتاريـخ ومولده في جمادى الآخر سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة وكان الخطيب المذكور فـي وقتـه حافـظ الشـرق وأبـو عمـرو يوسـف بـن عبـد البـر صاحب الاستيعاب حافظ الغرب وماتا فـي هـذه السنـة ولـم يكـن للخطيـب عقب وصنف أكثر من ستين كتاباً وأوقف جميع كتبه رحمه اللـه‏.‏

وأمـا ابـن عبـد البـر المذكـور فهـو يوسـف بـن عبـد اللـه بـن محمـد بـن عبـد البـر بن عاصم النمري القرطبـي كـان إمام وقته في الحديث ألف كتاب الاستيعاب في أسماء الصحابة وصنف كتاب التمهيد على موطأ مالك تصنيفاً لم يسبق إليه وكتاب الدرر في المغازي والسير وغير ذلك وكان موفقاً في التأليف معاناً عليه وسافر من قرطبة إلى شرق الأندلس وتولى قضاء أشبونه وشنترين وصنف لمالكها المظفر بن الأفطس كتاب بهجة المجالس في ثلاثة أسفار جمع فيه أشيـاء مستحسنـة تصلـح للمحاضـرة وممـا ذكـره فـي الكتـاب المذكـور أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى فـي منامـه أنـه دخـل الجنـة ورأى فيهـا عذقاً مدلى فأعجبه وقال‏:‏ لمن هو فقيل‏:‏ لأبي جهل‏.‏

فشـق عليـه ذلك وقال‏:‏ ما لأبي جهل والجنة والله لا يدخلها أبداً فلما أتاه عكرمة بن أبي جهل مسلماً‏.‏

فرح به وتأول ذلك العذق ابنه عكرمة‏.‏

ومن ذلك ما روي عن جعفر بن محمد الصادق أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى كأن كلباً أبقع يلغ في دمه فكان شمر بن أبي جوشن قاتل الحسين وكان أبرص‏.‏

فتفسرت رؤياه بعد خمسين سنة‏.‏

ومنـه أن النبـي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر الصديق رضي الله عنه‏:‏ يا أبا بكر رأيت كأني وأنت نرقى في درجة فسبقتك بمرقانين ونصف فقال أبو بكر يا رسول الله يقبضك الله إلى رحمته وأعيش بعدك سنتين ونصفاً‏.‏

ومنـه أن بعض أهل الشام قص على عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال‏:‏ رأيت كأن الشمس والقمر اقتتلا ومع كل واحد منهما فريق من النجوم فقال عمر‏:‏ أيهما كنـت قـال مـع القمـر‏.‏

قال‏:‏ مع الآية الممحوة والله لا توليت لي عملا‏.‏

فقتل الرائي المذكور على صفين وكـان مـع معاوية‏.‏

ومنه أن عائشة رضي الله عنها رأت كأن ثلاثة قمر سقطن في حجرها‏.‏

فقال لها أبوها أبو بكر رضـي اللـه عنهمـا‏:‏ يدفـن فـي بيتـك ثلاثـة مـن خيـار أهـل الـأرض‏.‏

فـل دفـن فيـه النبـي صلـى اللـه عليه وسلم قال لها‏:‏ هذا أحد أقمارك‏.‏

ولغرابة ذلك أوردناه‏.‏

وتوفـي الحافـظ بـن عبـد البر المذكور في مدينة شاطبة من الأندلس في هذه السنة أعني سنة ثلاث وستين وأربعمائة‏.‏

وفيها توفيت كريمة بنت أحمد بن محمد المروزية وهي التي تروي صحيح البخاري بمكة‏.‏

وإليها انتهى علو الإسناد الصحيح‏.‏